تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تم يوم الأربعاء 29 مارس 2023، بفندق حياة ريجينسي بالدار البيضاء، إطلاق الدورة الأولى لـ”اليوم الوطني للصناعة “، بمبادرة من وزارة الصناعة والتجارة والاتحاد العام لمقاولات المغرب ، وقد تميز هذا اليوم الوطني بالرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس نصره الله للمشاركين من اجل الاستعداد الكامل لولوج عهد صناعي جديد، يتخد من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة، ويحدد الأولويات لكسب هذا التحدي، وقد تلاها وزير الصناعة والتجارة السيد رياض مزور.
وقد مثل الغرفة في هذا اللقاء السيد الحسين بن الطيب ، برلماني ونائب اول لرئيس الغرفة، وتميزت الجلسة الافتتاحية بحضور رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، ووزيرة الاقتصاد والمالية السيدة نادية فتاح، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، السيدة ليلى بنعلي، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، السيد محسن الجزولي، ووزير النقل واللوجستيك، السيد محمد عبد الجليل، ووزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة عواطف حيار.
وقد عرف هذا اليوم توقيع اتفاقية شراكة لتطوير وتعزيز الملكية الصناعية والتجارية وتعزيز الأصول غير المادية للمقاولات المغربية، وتروم هذه الاتفاقية، التي وقعها بالأحرف الأولى وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، والمدير العام للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، عبد العزيز ببقيقي، ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، وضع إطار عام للتعاون يهدف إلى تعزيز الاستعمال الفعال لأدوات الملكية الصناعية والتجارية، لا سيما من خلال إجراءات التوعية والتكوين.
كما تم توقيع اتفاقية ثانية بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب ووزارة الصناعة والتجارة بهدف تحديد أسس الشراكة بين الطرفين لتنظيم هذا اليوم الوطني سنويا.
ومن خلال الخمس جلسات ، التي قام بتنشيطها السيد وديع دادا، صحفي سابق بقناة 2M، من خلال توجيه أسئلة يقوم مؤطروا هذه التظاهرة من وزراء وممثلي القطاعات الحكومية والهيآت المهنية واكاديميين بالإجابة عنها ، حيث تمت الاستنارة بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الواردة في الرسالة الموجهة للمشاركين الذين بحثوا وتداولوا حول الوسائل متعددة الأبعاد التي ترمي إلى تحقيق الأهداف الرئيسية لقطاع الصناعة، وتأكيد مكانته كأولوية وطنية واستعداده ليكون رافعة محورية لتنمية الاقتصاد الوطني . كما تم التأكيد على تنظيم اليوم الوطني للصناعة، خلال الدورات المقبلة على مستوى الجهات قصد تثمين الإمكانات الصناعية المحلية ومعالجة التحديات الخاصة المرتبطة بها، ضمن أجندة التظاهرات الاقتصادية، باعتباره موعدا سنويا مرجعيا للصناعة بالمغرب.
وتطرق المتدخلون إلى قضايا تهم تشجيع الاستثمار الإنتاجي في الصناعة على المستويين الوطني والجهوي وجاذبيته وتثمينه، حيث أشاروا أيضا إلى أدوات تطوير بيئة صناعية ملائمة للاستثمار، ومعالجة الأسباب الهيكلية التي تعيق القدرة التنافسية للمقاولات.
كما تم التطرق أيضا الى تطوير علامة “صنع في المغرب” كمؤشر للجودة والقدرة التنافسية، وتشجيع الابتكار في خدمة الصناعة ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة المنتجة في إطار النظم البيئية الصناعية ومسألة تسريع التحول المستدام للصناعة المغربية.
بالنسبة للسيد وزير الصناعة والتجارة فان ازدهار الصناعة الوطنية هو ثمرة رؤية ملكية. وان الصناعة المغربية التي تستند إلى مبدأ الانفتاح الاقتصادي العالمي وإلى استراتيجيات متتالية متكاملة (مخطط إقلاع 2005-2009 وميثاق الإقلاع الصناعي 2009-2014 ومخطط التسريع الصناعي 2014-2020 ومخطط الإنعاش الصناعي 2021-2023) والتي يتم تفعيلها تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، قد شُيّدت على أُسس متينة تجمع في آن واحد بين المهارات والتكنولوجيات. وهذه الاستراتيجيات التي صُممت لتجعل من الصناعة رافعة محورية للتنمية الاقتصادية بالمغرب، ومصدراً رئيسياً لتوفير مناصب الشغل، ومحفزاً للاستثمار الإنتاجي وللتصدير، والتي تُنفَّذ في إطار رؤية مجالية شاملة، يتم مواكبتها بإنجاز شبكة هامة من البنيات التحتية الصناعية واللوجستية والطاقية، وبإصلاحات هيكلية، لتحسين مناخ الأعمال، والارتقاء بتكوين الكفاءات، والرفع من القدرة التنافسية للصناعة المغربية. وقد انخرطت الصناعة المغربية في إطار دينامية غير مسبوقة حول منظومات صناعية فعالة. كما انبثقت منصات صناعية من الطراز العالمي، مع فاعلين من الدرجة الأولى ومقاولات جديدة وسلاسل قيمة اغتنت وتعزّزت، علاوة على تشييد أقطاب جهوية جذابة وذات قدرة تنافسية.
وقد سمحت هذه المؤهلات والإمكانات – التي تعززت بما تَنْعَم به المملكة من استقرار سياسي واقتصادي، ومهارات صناعية فضلا عن قربها من الأسواق الواعدة – لصناعتنا المغربية، بتعزيز مكانتها بمهن وتخصصات ذات تكنولوجيات عالية، وبأن تصبح محركاً للنمو والإنتاج والتصدير. وبذلك ارتفعت الصادرات الصناعية للمملكة في أقل من 10 سنوات بأزيد من الضعف (370 مليار درهم مع نهاية سنة 2022 مقابل 159 مليار درهم مع متم سنة 2013) وأصبحت تمثل الآن% 86.8 من إجمالي صادرات سلع المغرب.
أصبح المغرب اليوم وجهة عالمية في قطاعات متطورة كما هو الشأن بالنسبة لقطاعي الطيران والسيارات. وهكذا، شهد قطاع السيارات تطوراً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة، مما سمح للمملكة بأن تصبح رائدا إفريقيا. وفعلا فبلدنا يأتي في طليعة البلدان المنتجة للسيارات بإفريقيا، بقدرة إنتاجية يُرتقب أن تصل إلى أزيد من 900.000 سيارة سنويا وبنسبة اندماج محلي تصل إلى% 64. وساهمت صناعة السيارات على مستوى الصادرات بأكثر من 110 مليار درهم نحو أزيد من 70 بلدا مع متم سنة 2022. وفي قطاع الطيران ، أصبح المغرب، في غضون عشرين عاما، المُصَدِّر الرئيسي لمعدات ومكونات وقطع غيار الطائرات بالقارة الأفريقية، حيث حقق سنة 2022 رقم معاملات خاص بالتصدير يتجاوز 21 مليار درهم. كما أبَان عن مدى قدرته على استقبال وتطوير قطاع طيران ذي جودة عالية، مُساهماً بذلك في الارتقاء النوعي لاقتصادنا. كما ساهم حضور كبار فاعلي قطاع الطيران العالميين بشكل كبير في ترسيخ مصداقية منصة الطيران المغربية، مُجسّداً المكانة التي تتبوأها المملكة على الخريطة الإقليمية والدولية.
ومن جهتها، تساهم الصناعات الغذائية الوطنية في تثمين الموارد السَّمكية والفلاحية للأقاليم المغربية، وفي تعزيز السيادة الغذائية. وهذا القطاع، الذي يشغل من جانبه أزيد من 194.000 شخص، حقق رقم معاملات خاص بالصادرات بلغت قيمته 44 مليار درهم خلال سنة 2022 .
وباعتباره موفراً بارزاً لمناصب الشغل الصناعية (%22 من مجموع العاملين بالقطاع الصناعي) فقد عرف قطاع النسيج والجِلد كيف يستفيد من التحولات التي طالت سلاسل القيم العالمية ومن التوجهات الجديدة للمستهلكين، من خلال تعزيز مكانته في فروع صناعية مستدامة وذات قيمة مضافة عالية.
وقد ساهمت هذه المكتسبات في تعزيز مرونة صناعتنا وقدرتها على التأقلم ومكّنتها من الحد من وقع أزمة كوفيد- 19، والاضطلاع بدور حيوي في تعزيز السيادة الصناعية والصحية والغذائية لبلادنا. وبفضل مخطط الإنعاش الاقتصادي الطموح الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لتمكين القطاعات الإنتاجية من استعادة قدرتها على إحداث مناصب الشغل والمحافظة على مصادر الدخل (الخطاب الملكي لعيد العرش – 29 يوليو 2020)، فقد تمكن القطاع من استعادة مناصب الشغل خلال مرحلة ما بعد الأزمة (+106% من مناصب الشغل عند مَتم شهر يناير 2023) كما تساهم التخصصات الصناعة بشكل كبير في إنعاش صادرات بلادنا.
لقد أسفرت الظرفية الاقتصادية العالمية العصيبة، المتّسمة بالنزاعات الجيوسياسية والتغيرات المناخية المتفاقمة، عن بروز مجموعة من نقط التوتر والاضطرابات. وأمام ضعف سلاسل القيم العالمية، وفي ظل الاعتماد الكبير على الواردات لتأمين الإمدادات الحيوية، فسيادة بلادنا تظل في صُلب الأولويات. وقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة في أكتوبر 2021، أن الأزمة الوبائية أبانت « عن عودة قضايا السيادة للواجهة، والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها الصحية والطاقية والصناعية والغذائية وغيرها، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض ». وتبقى السيادة مفتاح ضمان نزاهة السوق الداخلية واستدامة مناصب الشغل. وهي تظل بذلك رهينة بمدى تنمية نسيجنا الإنتاجي. ومن هنا، فصناعتنا مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز الدور الذي تضطلع به على مستوى الاقتصاد الوطني. وعليه، فقد بات من اللازم الاستفادة من كافة مكتسباتنا لتعزيز مرونتنا وقدرتنا على التأقلم وتنافسيتنا وتسريع انتعاش اقتصادنا الوطني وترسيخ مكانة المغرب في القطاعات الواعدة. ولبلوغ هذا الَمرام، فالمغرب يحتاج إلى صناعة أكثر تنافسية وإنتاجية تستوعب أنشطة ومهارات جديدة، وتوفر المزيد من مناصب الشغل.
وعلى مستوى آخر أبرز وزير النقل واللوجستيك، السيد محمد عبد الجليل، أهمية النجاعة اللوجستيكية باعتبارها رافعة للقدرة التنافسية الصناعية، مستشهدا بمثال البنية التحتية اللوجستية المرتبطة بصناعة الفوسفاط في منصات الجرف الأصفر ، وميناء آسفي الجديد، وكذا ميناء العيون. كما توقف عند ثلاثة تحديات رئيسية تتعين معالجتها في الوقت الحالي، تتمثل في النجاعة الطاقية، وإزالة الكربون، ورقمنة الاقتصاد، إلى جانب مرونة سلاسل التموين في مواجهة الأزمات والصدمات. وأورد، بهذا الخصوص، أنه سيتم اتخاذ العديد من الإجراءات، بما في ذلك التطوير المستمر للبنية التحتية (الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والمنصات اللوجستية، وغيرها)، ومواكبة الفاعلين في القطاع الخاص، لا سيما من حيث التكوين، ودعم تطوير نظم المعلومات الخاصة بهم، وكذلك تعزيز الحكامة بين القطاعين العام والخاص.
ومن جهته اشار السيد محسن الجزولي، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، دور ميثاق الاستثمار الجديد في تعزيز التنافسية الصناعية الوطنية. وأكد في كلمته أن ميثاق الاستثمار الجديد الذي يهدف إلى خلق القيمة وفرص الشغل تمت بلورته بتعاون وثيق مع قطاع الصناعة. وذكر، في هذا السياق، بالمحاور الثلاثة الأكثر أهمية ضمن الميثاق، والمتمثلة في الحكامة، التي ستتيح للجهات الاضطلاع بدور هام والاقتراب من النسيج الصناعي المحلي، سواء المتعلقة بمناخ الأعمال أو حوافز الاستثمار.
بينما اكدت السيدة عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، خلال مشاركتها في أشغال هذه الدورة الأولى على ضرورة العمل على الرفع من حضور الكفاءات النسائية في القطاع الصناعي ووضع تصور مستقبلي لصناعة دامجة للأفراد في وضعية إعاقة.
واشار السيد محمد بنشعبون، المدير العام لصندوق محمد السادس للإستثمار خلال مداخلته انه لا يمكننا الحديث عن تحسين العمليات والإنتاجية والتكاليف والجودة، دون الاستثمار في تكوين الموارد البشرية والتكوين الأساسي. وأوضح، في هذا السياق، أن الاستثمار يمكن أن يهم آليات الاشتغال وتحسين العمليات على المديين المتوسط والطويل، وكذا الجانب غير المادي، لا سيما الشق المتصل بالبحث والتكوين ونظام المعلومات لتحقيق الجودة المطلوبة والولوج إلى الأسواق العالمية.
في مداخلته اشار السيد عبد العزيز ببقيقي، المدير العام للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية عن إطلاق منصة تثمين براءات الاختراع، وإطلاق دفعة أولى من بنك المشاريع المبتكرة التي هي عبارة عن مجموعة من الحلول التكنولوجية والتطبيقات الصناعية المعتمدة على براءات اختراع حرة للاستغلال في المغرب بقيمة استثمارية تناهز 900 مليون درهم وإمكانيات خلق ما يقارب 2500 فرصة شغل.
من جانبه، أكد رئيس الفيدرالية المغربية للبلاستيك، السيد هشام الهايد، على أهمية قطاع اللوجستيك في تعزيز تنافسية الصناعة المغربية وسيادتها. كما دعا، بهذه المناسبة، إلى تسليط الضوء على وسائل التمويل والدعم التي من شأنها مساعدة الفاعلين الراغبين في التحول من الطاقة المعتمدة على الأسلاك الكهربائية إلى الطاقة المتجددة..
وعلى مستوى آخر أكد رئيس لجنة الاقتصاد الأخضر التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، السيد سعيد الهادي، على ضرورة وضع نماذج متوافقة ومنسجمة مع أهداف المغرب في مجال الاستدامة، خاصة وأن الاقتصاد المغربي منفتح جدا على الأسواق الدولية. كما سلط الضوء على أهمية إنشاء وتعميم عمليات تسريع إزالة الكربون من المواقع الصناعية، بما في ذلك تقنية احتجاز الكربون وعزله مما يتيح الاحتفاظ وتخزين ثاني أكسيد الكربون المنبعث من العمليات الصناعية.
من جهته، شدد مدير مركز الحسن الثاني الدولي للتكوين في البيئية التابع لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة أيمن الشرقاوي على ضرورة تخصيص راساميل للبرامج والمشاريع الخضراء التي تعبىء الشباب وتشركهم في هذه القضية. كما سلط الضوء على أعمال المؤسسة لصالح النظم البيئية، من خلال الدعوة إلى مواطنة مستنيرة وملتزمة.
ومن جانبه، اعتبر نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب ورئيس لجنة الابتكار والتطوير الصناعي بالاتحاد، محمد بشيري، أن الابتكار يشكل إحدى روافع التنافسية في قطاع الصناعة، موضحا أن من شأن الابتكار الإسهام في حل العديد من المشاكل الراهنة، لا سيما تلك المتعلقة بتدبير العمليات الصناعية، وجودة المنتجات المقدمة للزبناء، وكذا تدبير النجاعة الطاقية. واقترح، في هذا الإطار، إنشاء تجمعات أو مدينة للابتكار في كل جهة من جهات المملكة، قصد تنسيق أنشطة الفاعلين، في القطاعين العام والخاص، المتصلة بالخصوصيات الصناعية الجهوية.
و قال رئيس فيدرالية الصناعات الخشبية وفنون التصميم والتغليف، السيد منير الباري، إن هناك اليوم تحديا لتطوير 13 قطاعا ناضجا بالمغرب يمكن من خلق حوالي 60 ألف فرصة شغل، بحسب دراسة أجرتها وزارة الصناعة والتجارة. وفي هذه الدراسة، يضيف المتحدث ذاته، هناك بنك للمشاريع الخضراء التي يمكن تنفيذها، وتوفير فرص الشغل، فضلا عن رقم معاملات يناهز 10 ملايير درهم. وعلاوة على ذلك، أكد الباري أن الترويج لـ “صنع في المغرب” يتطلب تطوير قطاع صناعي وهو التغليف والتلفيف بشكل عام، مؤكدا أن هذا القطاع ضروري لتطوير قطاعات مهمة أخرى، بما في ذلك الصناعات الغذائية والصيدلانية، وكذا مواكبة تصدير منتجات “صنع في المغرب”.
نص الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين
في الدورة الأولى لـليوم الوطني للصناعة
” الحمـد لله، والصـلاة والسـلام عـلى مـولانـا رسـول الله وآلـه وصحبـه.
حضـرات السيـدات والسـادة،
إنه لمن دواعي سرورنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه الدورة الأولى لـ “اليوم الوطني للصناعة”. وقد أبينا إلا أن نسبغ رعايتنا السامية على هذه التظاهرة، تأكيداً منا للاهتمام الذي نوليه للنهوض بهذا القطاع الحيوي، ضمن النسيج الاقتصادي الوطني، الذي يعد رافعة أساسية ودعامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة. لذلك، نتطلع إلى أن يُدرَج هذا اليوم الوطني للصناعة ضمن رزنامة التظاهرات الاقتصادية الكبرى، كموعد سنوي لهذا القطاع والفاعلين فيه. كما نوجه لتنظيم دوراته المقبلة على صعيد الجهات، من أجل إبراز القدرات الصناعية المحلية وتدارس التحديات الخاصة المرتبطة بكل جهة.
حضـرات السيـدات والسـادة،
لقد سجل المغرب تقدما هاما في القطاع الصناعي على مدى العقدين الأخيرين بفضل اعتماد الصناعة المغربية لمبدأ الانفتاح الاقتصادي العالمي واستنادها إلى استراتيجيات طموحة وواضحة، نابعة من رؤية مجالية شاملة.
فقد صُممت هذه الاستراتيجيات لتجعل من الصناعة رافعة محورية للتنمية الاقتصادية في المغرب، ومصدراً رئيسياً لتوفير فرص الشغل، ومحفزاً للاستثمار المنتج وللتصدير، وقاطرة للنمو والتنمية في خدمة المواطن. كما تمت مواكبتها بشبكة من البنيات التحتية الصناعية واللوجستية والطاقية، وبإصلاحات هيكلية، بهدف تحسين مناخ الأعمال، والرقي بتكوين الكفاءات، والرفع من تنافسية الصناعة المغربية. وبفضل ذلك وبما تنعم به المملكة من استقرار سياسي وماكرو-اقتصادي، وخبرة صناعية، تمكنت الصناعة المغربية، من أن تركز تموقعها على مهن وتخصصات على درجة عالية من التقنية، وتصبح محركاً للنمو والإنتاج والتصدير.
وبذلك أصبح المغرب اليوم وجهة عالمية لا غنى عنها بالنسبة لقطاعات متطورة كصناعة السيارات، التي تتبوأ فيها بلادنا مركز الريادة على الصعيد القاري ؛ وصناعات الطيران، حيث توفر المملكة منصة ذات جاذبية لإنتاج ما تتطلبه هذه الصناعات من معدات ومكونات وقطع غيار. كما عززت المملكة موقعها كفاعل رئيسي في مجال الأمن الغذائي العالمي، والإفريقي على وجه الخصوص، من خلال تطوير صناعة الأسمدة، بحيث صارت توفر للفلاحين منتجات تتميز بجودتها العالية، وأسعارها المناسبة، وتراعي احتياجات التربة والزراعات في كل منطقة.
ومن جهتها، تساهم الصناعات الغذائية الوطنية في تثمين موارد بلادنا السمكية والفلاحية، وفي تعزيز السيادة الغذائية. كما استفاد قطاع النسيج والجلد من التحولات التي طالت سلاسل القيم العالمية، من خلال تركيز تموقعه في قطاعات مستدامة وذات قيمة مضافة عالية.
وقد تعززت قدرة صناعتنا على الصمود في وجه التحديات، من خلال الدور الهام الذي قامت به هذه القطاعات، وقطاعات أخرى شهدت دينامية نمو مماثلة، لاسيما على مستوى التصدير. وهو ما مكّنها من الحد من وقع أزمة كوفيد- 19، والاضطلاع بدور حيوي في تعزيز السيادة الصناعية والصحية والغذائية لبلادنا.
حضـرات السيـدات والسـادة،
لقد أدت الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، المتسمة بالنزاعات الجيوسياسية، إلى بروز عدد من مناطق التوتر والاضطراب، زادت من حدتها التغيرات المناخية وانعكاساتها المتعاظمة، مما أثر سلبا على تأمين الإمدادات الحيوية وتضخم أسعارها. وبالنظر إلى هشاشة سلاسل القيم العالمية، وفي ظل الاعتماد الكبير على الواردات، فإن سيادة بلادنا في هذا المجال تظل في صلب الأولويات. ومن هنا، فالصناعة الوطنية مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز الانتاج المحلي بشكل تنافسي، من أجل تقليص هذا الاعتماد، ودعم قدرتنا على الصمود والرفع من مستوى تنافسيتنا، وترسيخ مكانة المغرب في القطاعات الواعدة.
كما ينبغي الاستعداد الكامل لولوج عهد صناعي جديد، يتخذ من مفهوم السيادة هدفاً ووسيلة. ولكسب هذا التحدي، فإن بلدنا تحتاج، إلى صناعة تستوعب أنشطة وخبرات جديدة، وتوفر المزيد من فرص الشغل. لذلك، يتعين على القطاع الصناعي أن يجعل من القدرة على توفير مناصب شغل قارة للشباب رهانه الأول، إذ لا سبيل لتحقيق أي طموح صناعي بدون رأسمال بشري يتمتع بالقدرات والكفاءات العالية. وبالتالي، فلا بد للنسيج الصناعي الجديد من تعميم ملاءمة الرأسمال البشري مع الحاجيات الخاصة للمشاريع الصناعية، وتقوية المهارات التدبيرية. ولتحقيق ذلك، يتعين تأمين تكوين جيد للشباب يستجيب للحاجيات والتحولات الجديدة، وينفتح على التكنولوجيات الحديثة، وذلك في إطار شراكة معزَّزة بين القطاعين العام والخاص.
كما يتوجب أيضاً إرساء آليات المواكبة وتوسيع نطاقها، من أجل تعزيز البنية التحتية التكنولوجية والبحث والتطوير داخل المقاولات المغربية، مع إحداث منظومة تضم القطاع الصناعي والجامعات ومراكز البحث، من أجل دعم الابتكار وجعله محركاً لنمو الصناعة المغربية.
ومن جهة أخرى، يستلزم هذا الارتقاء المنشود على مستوى الصناعة تسريعَ تحقيق رهان الإنتاج الخالي من الكربون، باعتماد الكهرباء المولدة من مصادر متجددة وبأسعار تنافسية، والرفع من الكفاءة الطاقية. ولا بد للقطاع الصناعي المغربي أن يسهم في المحافظة على الموارد المائية، عبر ترشيد استخدام الماء، وإعادة استعمال المياه العادمة، واعتماد التكنولوجيات والحلول الجديدة. وهكذا يمكن للمملكة أن تصبح نموذجا مرجعياً في مجال أنماط الإنتاج المسؤولة والمستدامة والخالية من الكربون، مما سيتيح استقطاب المستثمرين الأجانب الباحثين عن فرص في قطاعات الاقتصاد الأخضر.
حضـرات السيـدات والسـادة،
بالنظر لأهمية ما حددناه من أولويات، واعتبارا لما يضطلع به القطاع الخاص من دور بجانب دور الدولة في القطاع الصناعي، ومسؤوليته في رفع التحديات واستغلال الفرص المتاحة؛ فإننا ندعو هذا الأخير إلى الاستفادة من الدينامية التي أطلقها الميثاق الجديد للاستثمار، واستغلال التحفيزات المتعددة الموجهة للاستثمار الخاص حسب الجهة، اعتبارا لخصوصيات كل جهة ومواردها ومؤهلاتها، بما يتيح لكل منها إقامة قطب اقتصادي قادر على توفير فرص الشغل، وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانات الإنتاجية للمجالات الترابية. كما ندعوه إلى توجيه جهوده نحو الاستثمار المنتج الذي تنخرط فيه علامات تجارية مغربية، بما في ذلك الاستثمار في القطاعات المتطورة والمستقبلية الداعمة للابتكار، وتطوير جيل جديد من المقاولات، عبر مجموع التراب الوطني ؛ مساهما بذلك في أوراش التنمية التي تعرفها بلادنا، بما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين.
وفي الأخير، نأمل أن يشكل هذا الملتقى الوطني مناسبة لإرساء أسس سليمة ومتينة للنهوض بالقطاع الصناعي في بلادنا، حتى نجعل منه محركاً للنمو والتنمية المستدامة، وأداة لإنتاج القيمة وتوفير فرص الشغل.
نسأل الله أن يسدد خطاكم ويتوج بالنجاح والتوفيق أشغالكم.
والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه